وكان اللقاء - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


وكان اللقاء
زرقاء اليمامة - 02\09\2009

لقد كنت على يقين حينها أنني لا أملك الشجاعة الكافية بأن أطلب منها أن تلتقيني، فشعوري بأنها قد ترفض اللقاء بي جعلني أتردد كثيرآ... فأنا أخاف من كيفية فهمها لمطلبي هذا... بل كنت أخاف من أسئلتها التي كانت تصول وتجول في مخيلتي، بحيث وصلت بي الحال أن أسأل أنا الأسئلة عنها. وعجبآ لحالي، فأنا نفسي السائل وأنا نفسي غير قادر على الإجابة! ولأن هذا كان يؤرقني، ولأنني كنت أحلم بأن التقيها، استجمعت قواي واستنزفت طاقاتي وعواطفي وأحاسيسي ذات ليلة، وكتبت لها رسالة أرسلتها مع مارد الليل، الذي كان يسامرني كل ليله ليرى شقائي ويغادرني صباحآ والشفقة تملأ وجهه، وهذا نصها:

أيتها الغالية
:
هل لروحك ان تسكن روحي وأهدابك تعانق أهدابي؟ أنا أعيشك بصوتي وبصمتي! فهل لي بليلة من حياتك أحلم بها؟ أعيش بها الأماني وأشرب كأس الغرام، ونسهر الشوق في أعيننا؟! هل لي أن أكون في صمتك؟ في همسك؟ في نطقك؟ فأنا لاأريدك صورة على الجدار.. فعلى جداري ألف شكل مستعار... أريدك روحآ تعيش معي العمر لحظات.. فقلبي الباهت الخفقات يحيى من لمساتك.. ويرتعش بين أحضانك...
هل لي بليلة من حياتك نشعل فيها قناديل الهوى؟ ونرمي على النجوم اغصانآ من الياسمين؟ ننثر الحب لآلئ نضئ بها سماء العاشقين؟ وبعد اللقاء أعدك أني سأمتطي صهوة الليل وأرحل، لان الدقائق ستتلاقى مع آخر خطوة من خطى الليل ويأتي النهار ...

لم أكن أعلم أن ردها سيكون سريعآ هكذا، فقد حملته لي على جناح القمر في الليلة التاليه، وهذا نصه:

أيها الساهر
:
قبل أن يحل عليك مارد الليل ضيفآ فلا يغادرك حتى الصباح، وافني إلى روضة الروح مع ظهور نجمة الشمال...

لم أفكر حينها بأي شئ إلا بإطلالة نجم الشمال... متى يظهر لأسابق الزمن فاسبقه إليها؟ فهي ستكون هناك وأنا سألتقيها.. قدماي في سباق بينهما من سيصل أولا.. يسراي أم يمناي؟ عيوني تسبق الأفق البعيد وتتعداه لتصل روضة الروح.. أتقدم والشوق للقياها يلفني والخوف من عدم لقائها يأسرني.. وما أن بلغت الروضه حتى رأيتها.. تقدمت نحوها، وما أن رأتني حتى تقدمت بأتجاهي وتاهت بين ذراعي.. والصمت سيد الموقف... إنها ليلة شفافة كالحلم، أضاءت تنهداتها سكون الليل، خبأت وجهها في نهر أحاسيسي كبرعم خائف من الريح، لتتناثر بذاراً في سهول جسدي...
في تلك اليلة المخمليه سقطت نجمة متمردة من مدارها، فأنبتت شجيرات في الحقول المسافرة إلى الربيع، وعندها غابت كل الحدود بين غابة صدري وينبوع صدرها.. وحينها اتقدت كل جمرات الروح وضاق الفضاء! جسدان هما موجتا بحر هائج ابتكرا لغة الصمت .. هجرا لغة الصمت.. جسدان يتحاوران بالحركة بإيمائة الروح، يعدان للجسد بهجة الخلق الأول وحريته الضائعة، ليعانقا الفضاء...

بعد ان تيقنت انها معي هنا ويداي تشبك يداها همست لها قائلآ:أننا معآ كحروف عشق.. ونقاء ثلج.. وبسمة طفل.. ورؤيا شعاع... ها قد رسم القلب فيك مداري وأعلن فيك ابتداري إلى واحة السكر، ارتشف من حانة القرب كأسآ وأنسى وراء الدوالي جذوري ليعتصر القلب منه يقيني... وما أنت إلا سكون رياحي، فقد نشر المد ركبي على زرقة البحر، وانساب فيك شراعي، فكنت أنا الرحيل إليك وأنت الرجوع إلي...

تلك اليله الصاخبه بجوعنا الرابض، وجنوننا المتحفز، وكؤوسنا المترعة، ورؤوسنا الدائره، قاربت على الانتهاء، فلم أجد سبيلآ إلا أن أخبئ حزمة من ضوء القمر .. لأزرع بذور ليلة قمراء أخرى...